لماذا تموّل الشركات تكنولوجيا لم تنضج بعد؟
وتقول مستشارة الذكاء الاصطناعي المعتمدة من أوكسفورد هيلدا معلوف، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن السبب الأول الذي يدفع شركات التكنولوجيا الكبرى، لاستثمار المليارات في الاندماج النووي، هو إدراكها أن هذا المجال يمثل الرهان الطويل الأمد الحقيقي في قطاع الطاقة، فهذه الشركات تُفكر على نطاق زمني يتجاوز العقد أو العقدين، وهي تعلم أن من يمتلك التكنولوجيا القادرة على إنتاج طاقة غير محدودة وبتكلفة منخفضة، سيكون في موقع هيمنة اقتصادية وصناعية لعقود لاحقة، مشددة على أن الاندماج النووي هو ابتكار لا يحدث كل عشر سنوات، بل ربما مرة كل قرن، ولذلك فالسباق لا يدور حول العائد الفوري، بل حول من سيبني البنية التحتية لطاقة الغد.
واعتبرت معلوف أن شركات التكنولوجيا الكبرى، تنظر إلى الاندماج النووي كأداة لتأمين موقعها في الاقتصاد الجديد القائم على الطاقة النظيفة، حيث أن الاستثمار في هذه التكنولوجيا، يُشكّل نوعاً من التحوّط الاستراتيجي، تماماً كما حدث مع دخولها إلى قطاع الفضاء أو أشباه الموصلات، فبدلاً من الاعتماد فقط على مصادر الطاقة الحالية، تسعى هذه الشركات لتنويع محفظتها، والتمركز المبكر في قطاع، يُتوقع أن يُحدث طفرة في السوق خلال العقود المقبلة، كما أنه علينا ألا نغفل أن الاستثمار في تكنولوجيا مثل الاندماج النووي، يمنح الشركات نفوذاً سياسياً وتنظيمياً غير مباشر.
فرصة ونفوذ
وتشرح معلوف، أنه عندما تستثمر مايكروسوفت أو ألفابت أو أمازون، في مشروع لتوليد الطاقة عبر الاندماج النووي، فهي لا تشتري فقط نفط المستقبل، بل هي تضع نفسها أيضاً على طاولة القرار السياسي والاقتصادي المتعلق بمستقبل الطاقة، وهذا النوع من التأثير رغم أنه غير مالي ظاهرياً، إلا أنه يترجم لاحقاً بالحصول على عقود حكومية مميزة، إضافة إلى تعزيز صورة الشركة وقيمتها السوقية، مشددة على أن شركات التكنولوجيا ترى بالاندماج النووي جزءاً من منظومة متكاملة تشمل تشغيل الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات الضخمة التي تحتاج إلى كمية طاقة هائلة، وهذا سبب آخر يدفعها كي تدخل بثقلها في هذا المجال، وذلك كنوع من تأمين استراتيجي لتوسعها المستقبلي.
عائد غير محدود
وتشرح معلوف أن الدخول في تكنولوجيا الاندماج النووي من الناحية الاستثمارية، يُعد مخاطرة محسوبة، ولكن العائد المحتمل الناتج عن نجاح هذه التكنولوجيا، يكاد يكون غير محدود، فنحن نتحدث عن سوق طاقة عالمية تُقدّر بتريليونات الدولارات سنوياً، وإذا نجحت إحدى هذه الشركات في الوصول إلى صيغة قابلة للتطبيق من الاندماج النووي، فستكون هي المزوّد الرئيسي للطاقة لعشرات الدول، وربما تستحوذ على جزء كبير من سوق الطاقة العالمي لعقود، وهذه ليست مغامرة عشوائية بل رهان استراتيجي على هيمنة طويلة الأمد.
واعتبرت معلوف أن ما يميز الاندماج النووي، هو أنه لا يهدف فقط إلى تحسين نظام الطاقة الحالي، بل إلى تخطيه بالكامل، وبناء نموذج جديد غير قائم على الوقود الأحفوري، أو حتى على البنية المعروفة للطاقة المتجددة، حيث أن من يسبق في تطوير الاندماج النووي، لن يبيع فقط الكهرباء، بل سيضع المعايير العالمية الجديدة للطاقة، ويقود سلاسل التوريد والبنية التحتية والأنظمة التنظيمية المرتبطة به، وهذا بالضبط ما تسعى إليه شركات التكنولوجيا الكبرى، أي أن تكون في مركز الثقل التالي للاقتصاد العالمي.